المادة    
ثم يبدأ الشارح رحمه الله تعالى بذكر ثمرة هذا الاختلاف، وهذا دليل على أن الخلاف حقيقي وليس صورياً ولا لفظياً من جميع الوجوه، وإنما هو لفظي أو صوري في حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة فقط، وهي القضية التي كان النزاع فيها أول الأمر، وأما في أمور الأخرى من الزيادة والنقصان والاستثناء فإنه يظهر أن الخلاف فيها حقيقي.
قال رحمه الله:[ ومن ثمرات هذا الاختلاف: مسألة الاستثناء في الإيمان، وهو أن يقول الرجل أنا مؤمن إن شاء الله، والناس فيه على ثلاثة أقوال: طرفان ووسط، فمنهم من يوجبه، ومنهم من يحرمه، ومنهم من يجيزه باعتبار ويمنعه باعتبار، وهذا أصح الأقوال.
فأما من يوجبه فلهم مأخذان: أحدهما: أن الإيمان هو ما مات عليه الإنسان، والإنسان إنما يكون عند الله مؤمناً أو كافراً باعتبار الموافاة، وأما ما سبق في علم الله أنه يكون عليه وما قبل ذلك فلا عبرة به. قالوا: والإيمان الذي يعقبه الكفر فيموت صاحبه كافراً ليس بإيمان؛ كالصلاة التي أفسدها صاحبها قبل الكمال، والصيام الذي يفطر صاحبه قبل الغروب.
وهذا مأخذ كثير من الكلابية وغيرهم، وعند هؤلاء أن الله يحب في الأزل من كان كافراً إذا علم منه أنه يموت مؤمناً، فالصحابة ما زالوا محبوبين قبل إسلامهم، وإبليس ومن ارتد عن دينه ما زال الله يبغضهم وإن كانوا لم يكفروا بعد.
وليس هذا قول السلف، ولا كان يعلل بهذا من يستثني من السلف في إيمانه، وهو فاسد؛ فإن الله تعالى يقول: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ))[آل عمران:31]، فأخبر أنه يحبهم إن اتبعوا الرسول، فاتباع الرسول شرط المحبة، والمشروط يتأخر عن الشرط، وغير ذلك من الأدلة، ثم صار إلى هذا القول طائفة غلوا فيه حتى صار الرجل منهم يستثني في الأعمال الصالحة، فيقول أحدهم: صليت إن شاء الله ونحو ذلك -يعني: القبول-، ثم صار كثير منهم يستثنون في كل شيء، فيقول أحدهم: هذا ثوب إن شاء الله، وهذا حبل إن شاء الله، فإذا قيل لهم: هذا لا شك فيه، قالوا: نعم، ولكن إذا شاء الله أن يغيره غيره]
.
  1. الهوى وتأثيره على مسألة الاستثناء في الإيمان

  2. صورة الاستثناء في الإيمان

  3. إرجاع شيخ الإسلام مسألة الاستثناء إلى أصول تتعلق بصفات الله تعالى

  4. استدلال من يوجبون الاستثناء في الإيمان بأن الإيمان ما وافى العبد ربه به

  5. التعريف بالأشعرية الكلابية ومذهبهم في الاستثناء في الإيمان